وأحق الأشياء بالضبط والقهر : اللسان، والعين؛
فإياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى مع مقاربة الفتنة؛
فإن الهوى مكايد، وكم من شجاع في صف الحرب اغتيل، فأتاه ما لم يحتسب، ممن يأنف النظر إليه.
فكل ظالم معاقب في العاجل على ظلمه قبل الآجل،
وكذلك كل مذنبٍ ذنباً، وهو معنى قوله - تعالى - ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) [ النساء 123].
وربما رأى العاصي سلامة بدنه؛ فظن ألا عقوبة، وغفلته عما عوقب به عقوبة.
وقد قال الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة.
وربما كان العقاب العاجل معنويا ً، كما قال بعض أحبار بني إسرائيل:
يا رب! كم أعصيك، ولا تعاقبني؟ فقيل له: كم أعاقبك، وأنت لا تدري؟ أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟
الواجب على العاقل أن يحذر مغبة المعاصي؛ فإن نارها تحت الـرماد،
وربما تأخـرت العقوبة، وربما جاءت مستعجلة.
قد تَبْغَتُ العقوبات، وقد يؤخرها الحلم، والعاقل من إذا فعل خطيئة بادرها بالتوبة؛ فكم مغرور بإمهال العصاة لم يمهل. وأسرع المعاصي عقوبةً ماخلا عن لذة تنسي النهى، فتكون كالمعاندة، والمبارزة، فإن كانت اعتراضاً على الخالق، أو منازعة له في عظمته، فتلك التي لا تُتلافى، خصوصا ً إذا وقعت من عارف بالله؛ فإنه يندر إهماله.
أعجب الأشياء اغترار الإنسان بالسلامة، و تأميله الإصلاح فيما بعد وليس لهذا الأمل منتهى ولا للاغترار حد؛
فكلما أصبح وأمسى معافى زاد الاغترار، وطال الأمل.
بالله عليك! يا مرفوع القدر بالتقوى لا تبع عزها بذل المعاصي، وصابر عطش الهوى في هجر المشتهى، وإن أمض وأرمض.
بالله عليك! تذوق حلاوة الكف عن النهي؛
فإنها شجرة تثمر عز الدنيا وشرف الآخرة و متى اشتد عطشك إلى ما تهوى فابسط أنامل الرجاء إلى من عنده الرِّيُّ الكامل، وقل:
قَدْ عِيلَ صَبْرُ الطَّبْعِ في سنيّه العجاف؛ فعجل لي العام الذي فيه أغاث وأعصر
ما من عبد أطلق نفسه في شيء ينافي التقوى وإن قل إلا وجد عقوبته عاجلة، أو آجلة.
ومن الاغترار أن تسيء؛ فترى إحساناً؛ فتظن أنك قد سومحت، وتنسى: ( مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) [النساء : 123]
واعلم أن من أعظم المحن الاغترار بالسلامة بعد الذنب؛ فإن العقوبة تتأخر، ومن أعظم العقوبة ألا يحس الإنسان بها، وأن تكون في سلب الدين وطمس القلوب، وسوء الاختيار للنفس؛ فيكون من آثارها سلامة البدن، وبلوغ الأغراض.
فأجود الأشياء قطع أسباب الفتن، وترك الترخص فيما يجوز إذا كان حاملا ًومؤديا ًإلى مالا يجوز.
فإياك أن تنظر إلى صورة نعيمهم يعني - أرباب الدنيا - فإنك تستطيبه لبعده عنك، ولو قد بلغته كرهته،
ثم في ضمنه من محن الدنيا والآخرة مالا يوصف؛ فعليك بالقناعة مهما أمكن؛ ففيها سلامة الدنيا والدين.
وقد قيل لبعض الزهاد - وعنده خبز يابس - : كيف تشتهي هذا؟ فقال: أتركه حتى أشتهيه.
تذكرت في سبب دخول جهنم فإذا هو المعاصي، فنظرت في المعاصي فإذا حاصلة في طلب اللذات، فنظرت في اللذات فإذا هي خدعا ًليست بشيء، في ضمنها من الأكدار ما يصيِّرها نغصاً، فتخرج عن كونها لذاتٍ؛ فكيف يتبع العاقل نفسه، ويرضى بجهنم؛ لأجل هذه الأكدار؟ .
ليس من رَقع وخاط كمن ثوبه صحيح
وكم من شخص زلت قدمه فما ارتفعت بعدها
ورب عظمٍ هِيضَ لم ينجبر .. فإن جُبِرَ فعلى وهن
فإياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى مع مقاربة الفتنة
فإن الهوى مُكايد
وكم من شجاع في صف الحرب اُغتيل
فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه.
من كتاب : صيد الخاطر لان الجوزي
و لا تنسونا من الدعاء بالهداية
و أن يتوب الله علينا و يهدنا و يوفقنا لما يحب و يرضى ..
و جزاكم الله خيرا ..
8 حط تعليقك:
بسم الله ماشاء الله
no comment
:p
شكرا على المرور يا حسن ..
جزاك الله خيرا ..
السلام عليكم
شوفت بقه انا دايما اهو بزورك
وبتابع الجديد من مواضيعك
ها
على فكره كتاب صيد الخاطر بجد بجد تحفه
جميل جدا
انا بحب اقرا لابن الجوزى وبحب ابن القيم واستاذه بن تيميه
ربنا يبارك فيك يا رب
على فكره انا كنت سمعت ان بن الجوزى ده اسلم على ايده 10 الاف واهتدى على ايده 20 الف تقريبا
ربنا يهدينا جميعا يا رب
........................
خد هنا بقه
خد
انت بتزور هاكونا مطاطا ومش بتزورنى لييييييييه؟
ده ينفع؟؟؟؟
بوست روعة بجد
من رحمة ربنا بينا انه بيعاقبنا على معاصينا فى الدنيا عشان ينقينا من ذنوبنا
شكرا على البوست الرائع
بجد رائع رائع رائع
من كتر منا من صغرى وانا كل دراستى بين الامركيى والبريطانى بقيت احس ان مش فى حد بيعرف يكتب زيهم
بس دلوقتى عرفت فعلا ان فى كتاب روعة زى ابن الجوزى
بجد انت خلتى انتبه للغة العربية ومثقفينها وكتبها
انا حتى الاحاديث والقران عندى بالانجلش
شكرا مرة تانيه
اتمنى نكون اصدقاء سلام
ريمان ..
شكرا على المرور
و دايما بتحرجينا كده ..
هو الكتاب بجد روعة ..
و أنا سمعت برضه نفس العدد اللي قلتيه من الناس اللي أسلموا على ايده
...................
أما ليه مش بزور مدونتك ..
فلأسباب .. هبقى أقولها لك هناك علشان أضطر أزورها :)
ندى ..
شكرا جزيلا لمرورك ..
فعلا .. ما أصابنا من عقوبة للمعاصي في الدنيا فهو كفارة إن شاء الله ..
شكرا جزيلا لمرور
ألف شكر
حسام ..
شكرا جزيلا على الزيارة
و بالفعل ..
الكتاب العرب و المسلمين لهم كتب أحسن ألف مرة من الكتب الغير عربية ..
لكن للأسف مدعي الحضارة قد هرولوا وراء كل غربي ..
فلا تجد إلا كلاما مترجما ,,,
أو كلاما عربيا بطعم الجبنة.. قصدي بطعمٍ غربي ..
و إن شاء الله تنتقل و تنتبه للكتب العربية التي ستجد فيها مبتغاك إن شاء الله ..
تحيت يلك ,,,
و أنا اللي يشرفني إننا نكون أصدقاء ..
تحيتي ..
إرسال تعليق